لوهلةٍ يبدو نواب لبنانيون وكأنهم يفضّلون استمرار الحرب الإسرائيلية على لبنان على التوصّل إلى اتفاقٍ لوقفِ إطلاق النار على يد رئيس مجلس النواب نبيه بري, أي بالتفاوض غير المباشر مع حزب الله. وما كثرة المؤتمرات الصحافية, وإصدار البيانات, ورفع الصوت على الشاشات اعتراضاً على حصر التفاوض ببري وحزب الله, إلا انعكاسٌ لخيبة الأمل الثانية لهذا الفريق بأنّ قيادة المقاومة طرف أساسي على طاولة المفاوضات بينما هم خارجها, بعدما تجسّدت النكسة الأولى بسقوط رهانهم على هزيمة حزب الله وانتهاء المقاومة.
ببساطةٍ شديدة, فاوض الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين الفريق المعنيّ مباشرة بالحرب, أي المقاومة, الجهة التي تقاتل على الأرض بوجه العدو الإسرائيلي, وطالما أنّها ليست جهة نظامية, فللمقاومة حرّية تفويض من تشاء لإدارة عملية التفاوض نيابةً عنها. وبالتالي, أيّ صفةٍ وأيّ دورٍ لـ"الشلّة" المُعترضة يخوّلانها أن تكون جزءاً من التفاوض؟ حجّتهم أنّهم نواب يمثّلون إرادةً شعبية, وإن تمّ صرف النظر عن حجم الأصوات الهزيلة التي أوصلت بعضهم إلى سدّة البرلمان, لكن أيّ وزنٍ يمثّل هؤلاء في المعادلة السياسية.
الطامة, أن طرح هذا الفريق, يقضي, بحث اتفاق وقف إطلاق النار في مجلس نوابٍ غير موحّد في النظرة حيال إسرائيل, ولا حيال الحرب, ولا حيال سلاح حزب الله, وفي الأصل حول فكرة الكفاح المسلّح. وتالياً, يريد هؤلاء تعليق المفاوضات إلى حين اتفاق المجلس النيابي بكل تناقضاته حول الملف الخلافي الأساسي الذي يقسم البلد عَمودياً, ثم تقديم إجابة للوسيط الأميركي لينقلها إلى العدو! هذه هي الترجمة العملية لما طالب به النواب المعترضون على التفاوض. وتقنياً هناك استحالة لذلك في ظل الظروف الاستثنائية التي تفرض الخوض في عملية التفاوض بموقف لبناني محدّد في أسرع وقت. أما سياسياً ففي الطرح الكثير من التهريج السياسي والسطحية في تسجيل الاعتراض.
في الشكل, يمكن أنّ نتخيّل, الـ128 نائباً, الذين يحوّلون جلسات المناقشة والتصويت على الموازنة العامة مثلاً إلى مهزلةٍ تشبه أي شيء ما عدا ممارسة العمل السياسي. السّاذج فقط يصدّق أنّ الحملة هدفها احترام الدستور, في حين أن المبتغى تكريس نقاشٍ داخل قبة البرلمان حول جدوى معاداة إسرائيل, بما أن بعضهم ليست لديه مشكلة معها, وحول اشتراط نزع سلاح المقاومة مقدمةً لأي اتفاقٍ ينهي الحرب. والمفارقة أنّ هذا الفريق الذي لم يعتبر الحرب حرباً إسرائيلية على لبنان بل على حزب الله, والمناطق المحسوبة عليه, وتصرّف على أن ما يحدث لا يعنيه, يريد اليوم أن تكون له كلمته في التفاوض, مفترضاً أنّه جدير بالثقة لدى الفريق الآخر.
دستورياً, فإن رئيس مجلس النواب لا يناقش اتفاقاً جديداً, إنما آليات تنفيذية للقرار الأممي 1701 المُقرّ عام 2006. وجلّ ما يحدث مفاوضات غير مباشرة, للتوافق على مجموعة إجراءات معيّنة لزوم تنفيذ القرار. وهو ما لا يُعدّ حتى اتفاقية دولية كي يُناقش في البرلمان. إضافةً إلى أنّه, بغياب رئيس الجمهورية, انتقلت صلاحياته بحكم المادة (52) من الدستور إلى رئيس الحكومة الذي هو في أجواء التفاوض, ومثله أقطاب أساسيون كرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والنائب السابق وليد جنبلاط.
ندى أيوب - الاخبار